أستاذ الاقتصاد الزراعي( تخصص اقتصاديات الثروة السمكية والاستزراع السمكي )

كلية الزراعة جامعة الزقازيق.

تعتبر الأقفاص العائمة في المياه العذبة أكثر نظم الاستزراع السمكي المكثف انتشارا في مصر والتي عن طريقها يمكن التغلب علي المعوقات الطبيعية سواء بالنسبة للأرض أو المياه . ونظام التربية فيه عبارة عن حجز كمية معينة من الأسماك داخل حيز القفص ، والقفص عبارة عن إطار عائم بداخله شباك ذات فتحات تسمح بدخول الماء وخروجه ، وتربى الأسماك داخل هذه الشباك ، ويخضع هذا النظام لضوابط بيئيه مشددة لحماية المياه من التلوث الممكن حدوثه إذا لم تتم مزاولة هذا النشاط بالطرق السليمة . ومن الأمور الهامة التي هددت تجربة إنتاج الأسماك في أقفاص عائمة في مصر مسألة تلوث مياه نهر النيل ، ولقد تباينت الآراء حول علاقة الأقفاص السمكية بتلوث البيئة ومياه نهر النيل بين مؤيد ومعارض ، والرأي الغالب علمياً أنه لا علاقة لتربية الأسماك في أقفاص عائمة بتلوث مياه النهر طالما هناك التزام بالضوابط المعمول بها وخاصة العلاف المستخدمة في تغذية الأسماك ومطابقتها للمواصفات العالمية غير الضارة بالبيئة ،بل أنه توجد علاقة صداقة بين أقفاص الأسماك والبيئة ، وأن الأسماك هي مؤشر قوي لكشف تلوث المياه ، خاصة لو نشرت الأقفاص علي شواطئ النهر ، وربما كان الأثر السلبي علي البيئة هو استخدام مواد مخالفة .

         ولقد بدأ هذا النظام الإنتاجي للأسماك في مصر في النصف الأول من الثمانينات عندما شجعت وزارة الزراعة والري المصرية ممارسته كمدخل لحل مشكلة البروتين الحيواني (أقفاص في جزيرة الدهب في الجيزة).وتركز هذا النشاط بشكل أساسي في مناطق مصبات النيل خاصة عند دمياط وكفر الشيخ خلال الثمانينات والتسعينات من الألفية الثانية (جابر1990)، و انتشر في عديد من محافظات مصر وأهمها دمياط وكفر الشيخ والبحيرة والفيوم والدقهلية وسوهاج ، وواجه  عديد من المشاكل أهمها قرارات إزالة الأقفاص السمكية من النيل تحت زعم أنها تسبب تلوث لمياه النيل في مناطق إقامتها، لذلك يرجع الانخفاض والارتفاع في حجم إنتاج هذا النظام تمشيا مع حدة وتفاوت القيود التي تضعها وزارة الري علي استخدام الأقفاص في المجاري المائية ، فبرغم زيادة عدد الأقفاص السمكية العائمة من 8 أقفاص في عام 1985 إلي 1541 قفصاً في عام 1990 انخفض عددها بشكل حاد منذ بداية التسعينات ثم أخذت في الارتفاع تدريجياً بعد ذلك مع تراجع الجهات المسئولة لتبلغ 1588 قفصاً في عام 2000 ( سليمان وجابر 2009) وزادت إلي أكثر من 28 ألف قفص في عام 2011 بحجم مائي حوالي 13.58 مليون متر مكعب أنتجت أكثر من 216 ألف طن سمك (أي 15.87 % من إجمالي الإنتاج السمكي في مصر وحوالي 22% من إنتاج مصر من الاستزراع السمكي لنفس العام (الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية ) كما يتبين من الجدول التالي .

     عدد الأقفاص السمكية العائمة ومتوسط حجم القفص والإنتاجية وإجمالي الإنتاج في عام 2011 في مصر

المصدر : جمعت وحسبت من نشرة إحصاءات الإنتاج السمكي الصادرة عن الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية 2011 .

    وتشير الدراسات المحلية المحدودة عن هذا النمط (جابر1990،2007 ،سليمان وجابر1991،1998، 2009 ،ابوزيد2003) إلي تباين واسع في النتائج المتحصل عليها بالنسبة للإنتاجية ،ومعدلات تحميل الإصباعيات للمتر المكعب ،سعة الأقفاص، فترة الإنتاج ، نوع التغذية ، تكاليف الإنتاج وتكاليف إنشاء القفص . وبدأت بالاعتماد علي تربية البلطي النيلي فقط وزادت حاليا لتربية المبروك الفضي والعائلة البورية وقليل من سمكة القاروص. وتشير الدراسات العالمية عن هذا النمط أنه أصبح نمطاً شائعاً وخاصة في المياه العذبة ،ويدر ربحا عاليا ( عائد الاستثمار فيه بلغ أكثر من 50%) ومتوسط إنتاجية مرتفع ،وبالطبع هناك تباينات وفقاً للأسلوب التكنولوجي المستخدم ونظام التغذية ونوع السمك المربي .  

  سعة القفص والأسلوب التكنولوجي للإنشاء

    أمكن حصر ثلاثة  نماذج لهذا النظام من حيث السعة و الأسلوب التكنولوجي لبناء القفص التي غالبا ترتبط بالمنطقة المقام فيها المشروع (حيث لا يوجد معايير قياسية لإنشاء القفص وكلها غما تقليد أو تجارب ) . هذه النماذج بالرغم من أن مكوناتها تكاد تكون واحدة إلا أن هناك اختلافات في السعة وفي نوع العوامات والأساسات وتكنولوجيا إنشاء القفص مع ملاحظة التطور و التغير المستمر وإضافة إضافات أو إجراء تعديلات في ذلك من حيث إبعاد القفص وبالتالي الحجم النهائي للقفص أو مكونات أو نوع المواد المستخدمة و .......

         النموذج الأول للقفص السمكي : وكان منتشرا في فرع رشيد بمحافظة كفر الشيخ ، ويتم بناء القفص بإعداد إطار خشبي ذات ستة أوجه بأبعاد مختلفة(طول وعرض وارتفاع-عمق-) ثم يتم تبطين الشكل من الخارج بالغزول ، وتكون الغزول من طبقتين للأوجه الخمسة المغمورة في المياه ، وطبقة واحدة للسطح . ويثبت أربعة أوعية بلاستيكية (سعة كل منها 20 لترا) في العامدة الأربعة علي بعد 25 سم من سطح القفص كعوامات ، وتثبت الأقفاص منفصلة بواسطة الأحبال في مجموعات مع استخدام الحجار و الأحبال لتثبيتها في المكان المحدد من المجري المائي .

  هذا النموذج أهم بنود تكاليفه هي الغزول والتي تمثل أكثر من 50% من تكاليف الإنشاء ، يليها تكاليف الإطار الخشبي ، ومتوسط العمل المستخدم حوالي 45 يوم رجل اي عامل لكل 7 أقفاص أي توفير فرصة العمل وفقا لهذا النموذج تتراوح بين 10 – 15 ألف جنيه .هذا النموذج يقترح تطبيقه في أسوان خاصة في أماكن الأخوار المنتشرة سواء في مجرى النهر أو بحيرة ناصر للأسباب التالية :

 1 – أسهل في بناء القفص ويمكن للفرد العادي بناءه وتوفير تكاليف التصنيع التي تقدر بحوالي 4% من تكاليف الإنشاء .

 2 – يمكن استخدام أخشاب محلية منتشرة في المحافظة أو من المحافظات المجاورة مثل أخشاب الكافور وطلائها مما يقلل تكاليف الإطار  الخشبي بحوالي النصف .

 3 – يعتمد علي تربية سمكة البلطي في بيئتها الطبيعية ويسهل تفريخها حاليا .

 4 – مساهمة عوامل الإنتاج المملوكة اكبر (عمالة أو أخري) مما يجعله أكثر تحملاً واستمراراً في حالة الكساد وانخفاض أسعار المنتج .

 5 – أقل مخاطرة من النماذج التالية ( يمكن تنفيذه بسعات إنتاجية صغيرة تبدأ من 24 متراً وبالتالي أقل مخاطرة من السعات الكبيرة ) .

 6 – قلة الاستثمارات الأزمة لبناء الأقفاص لذلك يصلح كهدف استثماري لتوفير فرص عمالة .

  7 – بينت الدراسات أن التوسع وزيادة السعة الإنتاجية تؤدي إلي رفع الإنتاجية وخفض تكاليف الإنتاج ورفع صافي الربح .

 8 – كفاءة الاستثمار بلغت حوالي 18% لعمر القفص 3 سنوات فقط تزداد مع التحسينات سواء بالتغذية ومعدلات التحميل .

        النموذج الثاني : يتم بناء القفص عن طريق عمل إطار خشبي أو قوائم حديدية (مشاية ) بالأطوال المرغوبة علي شكل رباعي ، أي طول وعرض فقط ، ويثبت هذا الإطار بواسطة زوايا حديد أو مسامير علي 12 برميلاً من الصاج المطلي (كعوامات) وينخفض عدد البراميل في حالة إنشاء مجموعة من الأقفاص متجاورة ، حيث يختزل ضلع مشترك من الإطار ومن ثم العوامات ، ثم تجهز الغزول (الشبك) بنفس المقاسات وبالعمق المطلوب والمناسب لعمق المنطقة التي سيوضع بها القفص في المجري المائي ، لتكون الأوجه الخمسة المتبقية للقفص ، والتي تكون مغمورة في المياه ، ومع وضع ثقل أسمنتي أو حجري في أتجاة تيار المياه لتعمل علي فتح الغزل بالحجم المعد به ، ثم تثبت مجموعة الأقفاص بواسطة الأحبال في كتل خرسانية في قاع النهر ( توفر هذا النموذج في محافظتي دمياط وسوهاج ) .

هذا النموذج العمل اللازم للقفص حوالي 89 يوم عمل رجل ، أي بحد ادني عامل لكل قفصين وحد أقصي عامل لكل 6 أقفاص وبتكلفة فرصة العمل تتراوح من 18 إلي 30 ألف جنيه .

  كما أن هذا النموذج يمكن التطوير والتحسين حسب حالة المستثمر ففي نموذج شبيه توفر في المفرخ السمكي في منطقة العباسة بمحافظة الشرقية تم استخدام عوامات من الفلين المبطن بالصاج وهي مواد أعلي تكلفة ، وتم استخدام غذايات أتوماتيكية ولوحظ أنها سريعة التلف .

النموذج الثالث : وفيه تصميم القفص أبسط وأسهل حيث يتم عمل إطار خشبي مستطيل الشكل بالأبعاد المطلوبة ويثبت علي عوامات بلاستيكية مع تثبيت الغزول الشبك لكي تكون حوائط القفص المغمورة في المياه ، مع وضع ثقالات حجرية في اتجاه تيار المياه . ووجد هذا النموذج في مشروع التنمية الريفية بمحافظة البحيرة .

 بصفة عامة هذا النشاط يتسم :

  1 – تفاوت كبير في العمالة المطلوبة للمتر المكعب من حجم القفص و التي تراوحت من 15. ألي 1.9 يوم عمل رجل .

 2 – مع تفاوت معدل التحميل (عدد الاصباعيات من السمك في المتر المكعب ) تتفاوت الإنتاجية وتكاليف الإنتاج والربحية .

 3 – مع تباين التصميم ونوع المواد المستخدمة وحجم القفص تتباين تكلفة فرصة العمل .

 4 – في جميع الحالات هو نشاط مربح وفيه مجال واسع لزيادة الإنتاج و الأرباح

 5 – يمكن مساهمته في تكوين مجتمعات جديدة وإحداث توطين وتنمية للمجتمعات النائية خاصة حول البحيرات او في أماكن الأخوار المنتشرة

 6 – يمكن ان تشجع علي إقامة شركات مساهمة لإنتاج الغزول و الأعلاف وباقي المستلزمات والمفرخات السمكية الخاصة.

 7 – حال توفير سياسة تمويلية مناسبة لهدف توفير فرص عمالة مستقرة جديدة تبين من دراسة سابقة( سليمان وجابر 2009 ) إن إقراض الشباب 50% من الاستثمارات وبسعر فائدة 8.3% يضمن السداد المنتظم مع تحقيق دخل لصاحب المشروع يكفي لأسرة مكونة من فردين ، مع تحقيق معدل عائد داخلي (IRR)26%.

المراجع

1 – إبراهيم سليمان و محمد جابر (1991) نحو توفير فرص عمل جديدة في القطاع الزراعي في مصر ،المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي ، المجلد الأول ، العدد الأول .

 2 - إبراهيم سليمان و محمد جابر (1998) العلاقات الإنتاجية للاستزراع السمكي في أقفاص عائمة في مصر، مجلة مصر المعاصرة ، المجلد 89 ، العدد 451-452 القاهرة .

 3 - إبراهيم سليمان و محمد جابر (2009) نظم الاستزراع السمكي الإدارة و الاقتصاديات ، دار الفكر العربي ن الطبعة الأولي ن القاهرة .

 4 – السيد محمود ابو زيد ( 2003) دراسة جدوي المزارع السمكية بمحافظة سوهاج ،مجلة جامعة المنصورة للعلوم الزراعية ، المجلد 28 ، العدد 6 .

 5 – محمد جابر عامر (1990) دراسة اقتصادية للاستزراع السمكي في مصر ، رسالة دكتوراه ن كلية الزراعة ، جامعة الزقازيق ، مصر .

 6 - . محمد جابر عامر ( 2007) الإنتاج السمكي في مصر ، كتاب المؤتمر ال15 للاقتصاديين الزراعيين ، مصر .

أمانى إسماعيل
مديرة المواقع الاليكترونية