مقدمة
تمثل بقايا السمك الصناعية ما يقرب من 48 % من المنتوج الاٍجمالي لصناعة مصبرات السمك، وقد يفوق أحيانا بكثير هذه النسبة اٍذما ينتن السمك، ويأخذ في التحلل بعد خروجه من البحر، وقبل تصنيعه أو إذ تصطاد بعض الأسماك الصغيرة الغير مقبولة في التصنيع، فترمى مع البقايا. ويستعمل جزء كبير من بقايا السمك في المغرب في إنتاج مسحوق السمك. وتتطلب هذه الصناعة تقنيات ومعدات عالية، وكذلك خبرة بشرية فائقة، وهو الشيء الذي يحول دون تعميم هذه الصناعة، ويتسبب في رفع ثمن المنتوج، كما لا يمكن معالجة كل أو جل الكميات المنتوجة من طرف الصناعة، مع عدم القدرة على استعمال البقايا التي تبدأ في التحلل، أو التي يمر عليها وقت طويل دون تحويلها.
أ- التركيب الكيماوي
ويتبين من خلال الجدول 1 أن التركيب الكيماوي لهذه البقايا جد مغري بالنسبة لقيمته واحتوائه على المواد النافعة الصالحة للتغذية، في ميدان تربية المواشي والسمك والدجاج وما إلى ذلك. وانطلاقا من هذا المبدأ لجأ بعض الصناع إلى استعمال طرق عديدة لتحفيظ، وإعادة استعمال هذه البقايا. وأنشأت وحدات صناعية ضخمة تعمل لإنتاج مسحوق السمك خاصة وكذلك بعض الدهون الصناعية التي تستعمل للصباغة أو زيت السمك، فمنها ما يؤكل، ومنها ما يصلح للصيدلة، ومنها ما يصلح للصناعات الكيماوية كصناعة الصباغة. وتستعمل كذلك في العوالق العلفية لتغذية الحيوانات.
جدول 1 : التركيب الكيماوي لبقايا السمك قبل التخمر
العناصر
السمك
بقايا السمك
الرقم الهيدروجيني
6.5
6.4
مواد جافة
37.64
39.57
دهنيات
5.98
5.69
بروتينات
14.6
12.6
ونلاحظ أن التركيب الكيماوي لبقايا السمك لا يختلف بكثير عن تركيب السمك، وإنما هناك بعض الفرق الطفيف من حيث المكونات البروتينية، وهو أمر طبيعي كما أن البقايا ترتفع فيها نسبة الرماد.
ب- التركيب الأحيائي
نعلم جميعا كيف تتحل الأسماك بسرعة فائقة، إذا ما بقيت تحت حرارة بيئية عادية، ولو لمدة بضع ساعات، خصوصا في فصل الصيف، وهو الفصل الذي يتم فيه الصيد. وانطلاقا من هذه الملاحظة، نسلم أن فساد الأسماك يرجع إلى المايكروبات التي توجد فيه، والتي تأتي من أمعاء السمك نفسه، وهي الكتلة الداخلية التي تقتحم باقي الجسم بعد خروج الأسماك من الماء، أو بعد موتها، كما أن هناك أنواعا أخرى توجد على سطحه، وهذه الأخيرة هي التي تشكل الكتلة الخارجية وهي التي تبدأ نشاطها كذلك مباشرة بعد الموت.
وتتعدد العوامل التي تجعل هذا الانحلال يتفاقم، ومنها العوامل المرتبطة بالسمك نفسه كالتركيب الكيماوي الغني بالمغذيات، ووجود مايكروبات إما بداخله أو على سطحه، ثم العوامل الخارجية كالحرارة. وتمثل الأسماك قضية كبيرة بالنسبة للحفظ تحت البرودة أو التجميد، أو بالنسبة للتصبير عن طريق التعقيم بالحرارة، خصوصا في الدول التي تستخرج كميات هائلة من ثروة البحر، إذ أن فائض الإنتاج يفوق الطلب بكثير، وأمام هذا الإنتاج الكبير من جهة، وسرعة الانحلال الذي تتعرض له الأسماك الطرية حال خروجها من الماء من جهة أخرى، لجأ اختصاص الصناعات الغذائية إلى تحسين طرق التصبير، وجعلها قادرة على علاج الكميات الهائلة. وذلك ببناء مصانع على الشاطئ من الرغم أن هذا الحل لم يكن كافيا لحل مشاكل الفساد والضياع، إذ أن الطاقة الإيوائية لهذه المعامل لا زالت غير كافية لمعالجة كل الكميات المنتجة. وكلما طال الوقت الذي يفصل صيد الأسماك عن تصبيرها، كلما اشتدت حدة الأسماك وهو الشيء الذي يؤدي في الأخير إلى رميها مع البقايا فتزداد الكمية.
أما عن الأنواع التي يحتمل أن توجد على الأسماك فتختلف من بلد لآخر حسب النوع، والماء الذي تعيش فيه، وكذا الشروط البيئية التي يتم فيها الاصطياد والترويج وما إلى ذلك. وهناك الأنواع الممرضة والخطيرة مثل عصيات حمى التايفويد Salmonella والكريات العقدية Staphylococci والكريات السبحية Streptococci وباكتيريا القولون Coliforms والأنواع المحللة المحبة للبرودة Pseudomonas وباكتيريا الكوليرا Vibrio وأبواغ Clostridium وأنواع كثيرة أخرى تجعل من هذه السمك أغنى المواد المحملة بالجراثيم.
وإذا فحصنا التركيب الأحيائي لبقايا الأسماك المبين في الجدول 2، نجد أن هناك مستوى مرتفع من الجراثيم البيئية على الخصوص، وهو ما يجعل من هذه المادة وسطا غذائيا ملائما لنمو وعيش الأنواع الكثيرة الموجودة بنفايات الأسماك. ولذلك يعمد الصناع إلى استعمال طريقة التجفيف ظنا منهم أنها الطريقة الوحيدة التي تضمن سلامة المنتوج النهائي وهو أمر بعيد المنال وضيق من حيث الخبرة والتقنيات الغذائية الحديثة التي تجعل من الطرق البايوتيكنولوجية أسمى الطرق وأفضلها وأكثرها ضمانا لسلامة المنتوج النهائي. ولا يمكن بأي حال أن تتعرض هذه التقنيات للانتقاد ما دامت تسمو بأسسها على باقي التقنيات الحافظة للمواد الغذائية على العموم والنفايات على الخصوص.
جدول 2: التقدير النسبي لمستوى الأحياء الدقيقة بنفايات الأسماك قبل المعالجة.
الأحياء
العد
العد الكلي
7.8 107
باكتيريا القولون
3.5 106
Staphylococci
4.105
Enterococci
2.105
أبواغ Clostridium
4. 105
ولو أن بعض الأنواع الخطيرة مثل باكتيريا Salmonella لم نبينها في الجدول فهي جد محتملة، وتكون موجودة في النفايات السمكية. ويجب أن نلفت النظر إلى وجود قدر مرتفع من أبواغ باكتيريا Clostridium، والتي قد تشكل خطرا على المنتوج النهائي إذا ما بقيت بعض الأبواغ فيه.
ج- الطرق العتيقة للمعالجة
طريقة التجفيف و إنتاج مسحوق السمك
إن صناعة مسحوق السمك ترتكز أساسا على تجفيف بقايا السمك الصناعية إلى حد يجعلها غير قابلة للتحلل أو بتعبير آخر يجعلها تحفظ بسهولة لمدة طويلة. وإزالة الماء من جميع المواد العضوية أو التجفيف يجعل الحياة تستحيل وكذلك التفاعلات الكيماوية ولذلك يعمد صناع الحليب إلى تجفيفه لجعله يحفظ لمدة طويلة دونما فساد.
إن صناعة مسحوق السمك أصبحت من الصناعات الكبيرة والمعروفة على الصعيد الاقتصادي. ولكون المنتوج يعرف إقبالا متزايدا في الأسواق العالمية فإن تطوير هذه الصناعة وجعلها بمرتبة أية صناعة غذائية أصبح أمرا حتميا ويفرض نفسه في الميدان. إن مسحوق السمك لكونه يحفظ لمدة طويلة أصبح مطلوبا من مدن صناع الأعلاف في العالم وليس هذا فحسب وإنما لكونه غنيا بالمواد الغذائية كالحمضيات الأمينية الأساسية ومنها حمض الليزين وبعض الفيتامينات والأملاح المعدنية. وقد أدى هذا الطلب إلى دفع بعض الصناع إلى تجفيف الأسماك وتحويلها إلى مسحوق السمك عوض تصبيرها وليست النفايات فحسب نظرا للطلب المتزايد لمسحوق السمك في السوق الدولية.
وتوجد كميات هائلة من الدهون المستخرجة من بقايا السمك إلى جانب مسحوق السمك وبإمكان الصناعة اليوم أن تحصل على زيت السمك ومسحوق السمك وكلا المنتوجين يجد استعماله واستغلاله في الميدان الغذائي أو الصناعي.