· الملوحة والصرف الزراعي والصحي تحاصر البحيرة
· مصرف جديد تنوي المحافظة إنشاؤه لتحقيق التوازن المائي للبحيرة
· الصيادون يهجرون البحيرة لتدني إنتاجها السمكي
ما بين الماضي والحاضر .. هناك رجال يعيشون بيننا لايزالون يحتفظون بالكثير من الحكايات والأسرار... عم أحمد واحد من هؤلاء .. قسمات وجهه وإنحناء ظهرة وسنوات عمره التي تقترب من التسعين جعلتني أتسمر أمامه وهو يعزف علي قيثارة الماضي الذي وصفه بالبركة وحاضر ضاع منه كل شئ.. شريط حكايات عم أحمد توقف أمام بحيرة قارون التي شعرت عند ذكرها بتغيير ملامحه فسكت عم احمد لحظات .. كأنه يسترجع ذكريات غالية اصبح لايملك سوي ماضيها حتي قال عليه العوض.. سألته.. لماذا؟! فأجاب بنبرات دافئة أن بحيرة قارون كانت يوما ما مأوي لكل الصيادين بمحافظة الفيوم وكان الجميع يعتمد عليها في مواجهة ظروف الحياة الصعبة وكانت أنواع كثيرة من الطيور تهاجر إليها من قارات العالم .. بحيرة قارون كانت مليانة بالخير ..اسماك بلطي .. بوري.. موسي .. الدنيس.. القاروص .. الجمبري الأبيض.
بحيرة قارون تعد أقدم مسطح مائي في التاريخ حيث كانت منذ الأزل بحيرة عذبه لكنها تموت الآن بسبب الملوحة الناتجة عن صرف مياه الصرف الصحي والزراعي والتي تبلغ 900 ألف طن سنويا مما يجعلها تتعرض لخطر شديد... وعلي الرغم من أن الواقع المؤلم للبحيرة قد يفرض صورة سيئة ويجعل المراقبين يؤكدون علي وفاة البحيرة بيئيا إلا أن شهادة وفاة بحيرة قارون تأجلت الي عام 2028 بعد إنشاء مصنع الملح الذي يقوم باستخراج 250 ألف طن من أملاح البحيرة سنويا الأمر الذي قلل من نسبة ملوحتها والمصنع الثاني الذي سيقوم باستخراج 650 ألف طن سنويا من املاح البحيرة... ويضيف المهندس عويس سعيد مدير عام شئون البيئة بمحافظة الفيوم أن البحيرة ستتعرض لخطر كبير عندما تصل الملوحة الي 50 جراما في اللتر الواحد ولذلك فان محافظة الفيوم ذات طبيعة خاصة فمعظم المحافظات تصرف مياهها في نهر النيل لكن الفيوم نتيجة لأنها منخفضة فإن بحيرة قارون هي المستقبل الوحيد لعمليات الصرف التي تصل لمليار متر مكعب سنويا... المهندس عويس سعيد ربما أجاب علي تساؤلات وحكايات عم أحمد في بداية تحقيق الصياد عن ذكرياته التي لاتنسي عن خير بحيرة قارون لكنه طرح العديد من الحلول حول هذه المشكلات مؤكدا علي ضرورة التوسع في إنشاء شبكات الصرف الصحي في القري المجاورة كما أننا نطالب بإنشاء خط صرف من البحيرة الي وادي الريان وسيتكلف 750 مليون جنيه لكنه سوف يساعد علي استصلاح 12 ألف فدان إلا ان التمويل عطل هذا المشروع الضخم الذي سيتكلف 750 مليون جنيه ويوجد حل آخر وهو تعميق مستوي بحيرة قارون ليعود المنسوب القديم حيث ان البحيرة تتعرض للردم عن طريق الطمي القادم من صرف الأراضي الزراعية وكذلك الرمال التي تأتي من الجبال المجاورة الأمر الذي يؤدي الي رفع منسوب المياه بها الأمر الذي يجب عمل مصدات للرمال بجوار الجبل من خلال زراعة الأشجار .... لكن ماذا عن الثروة الكبيرة التي تمتلكها محافظة الفيوم والتي تبلغ 100 ألف فدان منها 55 ألف فدان لبحيرة قارون و45 ألف فدان لبحيرات وادي الريان والتي تمتلك كنوزا من مختلف أنواع الأسماك والجمبري إلا أن هذه الثروة السمكية أصبحت تختفي شيئا فشيئا وتنهار كليا فهل يعقل أن هذه المساحة الشاسعة تنتج الآن 500 كجم من الأسماك يوميا بطاقة اجمالية 6 أطنان سنويا من الأسماك في حين أن إنتاجية الفدان الواحد من المزارع السمكية المجاورة نحو 100 كيلو جرام يوميا بمعدل 4 أطنان سنويا من الأسماك في الدورة الواحدة.
وقد أكد المتخصصين علي أن سبب تدهور الثروة السمكية وقلة الإنتاج يرجع لزيادة نسبة الملوحة ببحيرة قارون والصيد الجائر والمخالف أيام المنع في شهور مايو ويناير من كل عام.
أما مصطفي يوسف عضو مجلس ادارة الاتحاد التعاوني للثروة المائية فيقول أن بحيرة قارون كانت تتميز بأسعار أسماكها المنخفضة فكان لايتجاوز سعر كيلو البلطي 3.5 جنيه وكان البوري 4 جنيهات والموسي 4.5 جنيه لكن الآن أصبح الأمر مختلفا تماما ليصل سعر البوري 25 جنيها والموسي ما بين 20و30 جنيها والبلطي من 10 إلي 20 جنيها إضافة الي تدهور جحم الانتاج السمكي بها الآن.
وعلي الوجه الآخر بالقرب من بحيرة قارون اكد محمود متولي أحد الصيادين أن مشاكل بحيرة قارون متعددة وكثيرة وإن إختفاء الأسماك بها يرجع إلي السلوك غير المنضبط من عدد كبير من الصيادين الذين يعملون علي تحقيق مكاسب دون مراعاة لظروف البحيرة ومشاكلها فهناك الكثير من مراكب الصيد المرخصة وغير المرخصة والتي تعمل علي صيد الاسماك في اوقات الصيد وغير أوقات الصيد ويصطادون الأسماك الصغيرة لتغدية الطيور كالبط وذلك من خلال شباك جائرة صغيرة الفتحات وعلي الرغم من وجود شرطة المسطحات إلا أن الأمر خارج سيطرتهم وعجزوا عن مواجهته حتي الآن.
الصيد الجائر وعدم وعي الصيادين والصرف الصحي والزراعي عوامل كلها تسبب تدمير بحيرة قارون وتكتب شهادة وفاتها هكذا يروي ابراهيم أبو الغيط متفقا مع كل الآراء السابقة ومطالبا بالتدخل العاجل من جانب الحكومة وعلي رأسها الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء فليس من المعقول أن يتم القضاء علي أحد أهم ملامح وسياحة محافظة الفيوم وأقدم مسطح مائي في التاريخ .
الدكتور جلال مصطفي سعيد صرح في حوار سابق بأن هناك مشروعا يجري تنفيذه وهو مصرف قاطع من بداية الساحل الجنوبي لبحيرة قارون وحتي نهاية البحيرة عند منطقة مصر للتعمير ثم يتجه شمالا حتي بحيرات وادي الريان وذلك لتحويل 90 مليون متر مكعب من المياه سنويا من بحيرة قارون الي بحيرة وادي الريان بمعدل 300 ألف متر مكعب يوميا تستخدم قبل الوصول إلي بحيرات وادي الريان وذلك لتحقيق التوازن المائي نظراً لإرتفاع منسوب بحيرة قارون في نفس الوقت الذي ينخفض فيه منسوب بحيرات وادي الريان إضافة إلي أن المشروع يهدف للتقليل من كميات مياه الصرف الزراعي التي تزيد من ملوحة بحيرة قارون للحفاظ علي الكائنات الحية وزيادة المساحة المزروعة في هذه المنطقة إلي عشرة آلاف فدان إضافية.
