الأجر فى الدول المتقدمة يكون حسب أهمية العمل وليس أهمية المنصب، لذلك قد يحصل عامل النظافة على أجور أكبر من الوزير أو رئيس الجامعة، ولم أستغرب حينما علمت مثلاً أن الطبيب البيطرى يحظى باحترام كبير جداً هناك، وهو من الفئات التى تحصل على رواتب مجزية، وتقدير معنوى وأدبى ربما أكبر من زميله الطبيب البشرى وبعض الفئات الأخرى فى القضاء والجيش والشرطة والخارجية والجامعات وغيرها.

والسبب الأساسى لاحترام وتقدير الطبيب البيطرى يأتى من أهمية وقيمة العمل الذى يؤديه، حيث يعتبر الشخص الأهم فى المجتمع، ويقدم خدمات جليلة ومفيدة لوطنه، فهو خط الدفاع الأول عن صحة الإنسان، ومسئوليته علاج الأمراض التى تصيب الحيوانات والدواجن والأسماك التى هى الغذاء الأساسى للإنسان، كما أن من مهامه التفتيش على منافذ بيع الأغذية والمطاعم والتأكد من سلامة الغذاء.

أيضاً من مهام الطبيب البيطرى الإشراف على المذابح والمجازر، وعدم السماح بذبح أى ماشية أو دواجن مصابة بالأمراض، ليس هذا فقط، بل قد لا يعلم الكثيرون أن نحو 80% من الأمراض مشتركة بين الحيوان والإنسان، وعلاجها عند الحيوان يسهم فى الوقاية منها عند الإنسان.

الطبيب البيطرى مسئول أيضاً عن الحفاظ على الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، بل وتنميتها وزيادتها من أجل توفير غذاء آمن وصحى ومستدام ورخيص للمواطنين، كما أنه مسئول أيضاً عن سلامة الغذاء المستورد، ولا يسمح بدخوله البلاد إلا بعد موافقته، بل ويسافر للخارج لفحصه وهو ما زال فى بلد المنشأ.

ليس هذا فقط بل إن الطبيب البيطرى مطلوب منه التعامل مع الحيوانات الأليفة والمفترسة وحماية الإنسان منها، وتتعرض حياته للخطر فى سبيل ذلك..

الأطباء البيطريون من المهن المهمة جداً فى المجتمع وبدونهم لا تستقيم الحياة ولكننا لا نتذكرهم إلا فى الأزمات وتفشى الأمراض، وهم أكبر فئة معرضة للإصابة بأخطر الأمراض مثل السل والسعار وغيرهما التى تنتقل لهم من الحيوان أثناء ممارسة عملهم بالوحدات البيطرية والمجازر ولجان التحصين.

الطبيب البيطرى يبدأ يومه فى الخامسة صباحاً بالكشف على الذبائح بالمجازر ثم يستكمل عمله بالوحدة البيطرية ومعاينات الحظائر للراغبين فى الحصول على قروض من البنوك وفى المساء يقوم بالمرور على الأسواق والتأكد من سلامة المواشى ويعمل فى ظروف بيئية صعبة صيفاً وشتاءً، وفى الطقس شديد الحرارة وقارس البرودة تحت الأمطار والثلوج، يتعرض لمخاطر شديدة قد تنهى حياته أو تسبب له عاهات مستديمة.

وعندما تشاهد الطبيبة البيطرية حديثة التخرُّج وهى تتعامل مع الماشية فى الحقول والحظائر المنزلية، وأيضاً المزارع الكبيرة وفى حملات التحصين ضد الأمراض، فهذا شىء يدعو للفخر والاحترام، حتى ونحن فى عيد الأضحى المبارك يعمل الطبيب البيطرى طوال الإجازة حتى يستمتع المواطنون بالعيد.

ونظراً لغياب الوعى وعدم إدراك أهمية الطبيب البيطرى المصرى فإنه لا يحظى بالتقدير الواجب، خاصة فى وسائل الإعلام والفن والدراما، بل أحياناً يكون مادة للسخرية، وهذه كانت نظرتنا ونحن صغار للطبيب البيطرى، نظراً للجهل الذى كنا نعيش فيه، وتأثرنا بالدراما الفاسدة.

أما بخصوص التقدير المادى، وهذا هو الأهم، فإنه يجب النظر فى تحسين رواتبهم والإسراع بذلك، فهؤلاء ثروة قومية ويجب أن نوفر لهم سبل الحياة الكريمة المادية والأدبية، حتى لا يفكروا فى الهجرة إلى دول تقدم لهم إغراءات لا تقاوم.

كل التحية والتقدير ووسام الاحترام للطبيب البيطرى المصرى الذى يعمل فى ظروف صعبة، ويقدم خدمات جليلة لوطنه ومواطنيه من أجل توفير غذاء رخيص صحى وآمن. وتحيا مصر.