بناء صغير وسط البحيرة تظلله أشجار عالية، يقع وسط البحيرة، يبدو للوهلة الأولى جزيرة مهجورة لا يفد إليها أحد، لكن بمجرد الاقتراب منه والتجول في ثناياه، تظهر بقايا سمك صغير يعود لسنوات طويلة، لتعلن عن وجود «حلقة سمك» قديمة حفرت تاريخًا عريقًا، بدا واضحًا في ملامحها وجدرانها المتآكلة.
«الدستور» أبحرت عبر «فلوكة» صغيرة داخل بحيرة «البرلس» المطلة على قرية «الشخلوبة»، وزارت أقدم حلقة سمك في مصر، كما تجولت داخل حلقات سمك آخرى لا زال العمل مستمرًا بها حتى اليوم، لتتعرف على كواليس حركة البيع والشراء التي تتم داخلها وكيف يبدأ التجار والصيادين يومهم بها.
الرحلة بدأت من حلقة «جمال حلمي»، أقدم حلقة سمك في مصر، يعود تاريخها إلى 100 عام، اتخذ منها أهالي «الشخلوبة» مزارًا سياحيًا لهم في المناسبات، على رأسها شم النسيم، لتحظى بشهرة كبيرة وصلت إلى العالمية، حين حصلت على المركز الأول في إحدى مسابقات الصور، لجمالها وتاريخها القديم، مصطفى حمودة أحد سكان القرية يقول: «زمان كانوا بيوزنوا فيها على الميزان بـ 2 كيلو، وكانت أول حلقة سمك في البرلس، الصيادين يصطادوا السمك ويبيعوه فيها للتجار».
تنقسم الحلقة إلى عدة غرف منفصلة ذات أبواب خشبية قديمة، تحيط بها مياه البحيرة من كافة الجهات، تصطدم بها حين تمر أحدى المراكب أو اللانشات التي يستقلها الصيادين: «السمك الحلو كله متجمع حواليها والرزق كتير»، كما يوجد نخلة ضخمة على إحدى أطراف الحلقة تميل نحو البحيرة، يحرص الوافدين على الصعود إليها لالتقاط بعض الصور.
يؤكد الرجل الأربعيني أن تعلقهم بها، جعلهم يترددون عليها وقت قدوم أي ضيوف إلى القرية، ليشرحوا لهم تاريخها، ويقضون أوقاتًا ممتعة داخلها ويصطادون الأسماك: «أي ضيف يجي القرية لاوم نركبه الفلوكة ونفسحه ويروح يزوها ويتصور هناك، حوليها مناظر طبيعية اللي يشوفها يفكرها في بلاد بره»، مشيرًا إلى أن تسميتها تعود إلى «جمال حلمي» الذي انشأها ووضع قوانين العمل بها التي تسير عليها كافة حلقات السمك حتى اليوم.
استكملت «الدستور» رحلتها داخل حلقات السمك الأخرى التي بدأت بـ «ألا أونا ألا دوس ألا تريس»، وسط تجمع كبير يقف فيه صاحب الحلقة حوله الصيادين وتجار السمك الوافدين من مختلف المحافظات، يبدأ العمل عقب صلاة العصر، الوقت الذي ينتهي فيه الصيادين من صيد الأسماك، ثم يتجمهر أمام الحقلة ما يقرب من 30 صياد، يضعون أسماكهم في أقفاص ويقفوا مترقبين بيعها.
«محمود شكشوك»، صاحب حلقة سمك بالقرية، أكد أن كل حلقة تحتوي على 30 صياد بينما يبلغ عدد حلقات السمك في القرية 13 حلقة: «كل حلقة ليها صاحبها وكلها بتبقى أرزاق والتاجر لو معجبهوش السعر بيروح حلقة تانية»، مشيرًا إلى أن بيع أنواع السمك يتوقف على المحافظة الذي يفد منها التاجر: «في تجار بيجوا من الغربية والدقهلية والبحيرة، وكل محافظة بتاكل أنواع سمك معين وده بيتوقف على مستوى المعيشة».
وسط الأجواء السيئة المحيطة بـ«البرلس» التي تلخصت في التعديات، قل عدد الصيادين بحلقات من2000 صياد إلى ألف ونصف: «الرزق متوقف على عدد الصيادين والسمك اللى بيتباع، في سمك يبقى فيه شغل، ورزق الناس كلها من البحيرة».
أما الصيادين فبدا يومهم حافل بالعمل الشاق، يستيقظ «صابر غالي» من نومه يصطحب برفقته «محمد» أصغر أبناءه، يستبدل ملابسه ويرتدي الزي الرسمي للصيد وقبعة فوق رأسه، ثم يصعد فوق «الفلوكة» مستعدًا للإبحار، تبدأ رحلة «صابر» على ساحل البحيرة في الـ8 صباحًا وتنتهي عصرًا: «بنخلص صيد ونطلع على حلقة السمك نبيعه واللي يفيض نتغدى بيه مع العيال، الأول كنا بنصطاد سمك بالهبل ودلوقتي بنطلع بـ5 أو 10 كيلو بالعافية بسبب الإهمال اللي في البحيرة».
يقف «محمود عبد الفتاح» أمام حلقة أسماك «الحاج جمال أبو طاحون وأولاده» الذي هبط من محافظة البحيرة، يعمل تاجر سمك يتردد على بحيرة «البرلس» دائمًا لشراء الأسماك، يقول: «بشتري كميات سمك وببيعها في الأسواق للبياعين، بنحملها في عربيات تبعنا ونروح المغرب وقت ما الحلقة تشطب».
